Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
05 Apr

حرية الصحافة بين الوهم والواقع

Publié par Ali_kessaissis

 

جرت العادة أن يبدي المهنيون، مظاهر الغبطة والسرور احتفاءً بحرية الصحافة والتعبير التي خصص لها يوم واحد من بين الثلاثمائة وخمسة وستين يوماً التي تكون العام الميلادي. فقد أراد مؤسسو هذه المبادرة أن تكون وقفة تأنيِّ وتأمل، يقيم من خلالها المهتمون من مهنيين وأرباب عمل، مختلف أوجه الأوضاع السائدة في قطاع نشاطاتهم ومدي تأثيرها وتأثرها بتطور الأداء المهني والمردودة.

كما أن السياسيين، كعادتهم في كل مناسبة، يحاولون في هذا اليوم، إظهار مساندتهم للمهنيين وتأييدهم لهم في مطالبهم وتطلعاتهم نحو المزيد من حرية الوصول إلى مصادر المعلومات وحرية نشرها والتعبير عن أرائهم تجاهها، وفي نفس الوقت يحاولون تبرير المضايقات والاعتبارات ذات الطابع السياسي والقانوني والتجاري والأخلاقي المهني التي تسمح للسلطات وأرباب العمل بإشهار سلاح المصلحة العامة في وجه طموح المهنيين المفرط في النيابة عن الجمهور في ممارسة الحق في الإعلام والتعبير عن الرأي العام.

       ومن هنا، فإن ما يسمى باليوم العالمي للصحافة والاستعراضات المصاحبة له يدل، من بين ما يدل، على أن حرية الصحافة، كانت ولازالت  وستبقى إلى مدى غير مسمى، حلماً جميلاً يراود المحترفين مرة في السنة، ولكن في الواقع المثقل بالهموم والضغوطات، تبقى خرافة أسطورية ورفه فكري وشعري يلهم السياسيين  والأدباء وشعراء الولاء لتغريد الأنشودة، ويشحذ قريحتهم للتغني بالمكاسب الواهية والمطالبة بالمزيد الأوهام التي ستساعدهم المهنيين على تحمل أثقال وهموم 364 يوما الباقية من السنة الشمسية.

إن هذه الصورة ليست باهتةً في الأذهان فقط، وإنما هي قاتمةٌ في الواقع المعاش، وبصيص الشعاع الذي ينفذ من خلال هذا ما ينفك أن يزول بإطفاء آخر شمعة الاحتفالات وإلقاء آخر نظرة على نعش حرية الصحافة والتعبير، في أعرق الأنظمة الديمقراطية وأكثرها كرهاً للعبودية، وأقلها اضطهاداً وخرقاً لمبادئ حقوق الإنسان والمواطن، فما بالك بالأنظمة القائمة أصلاً على أسس العبودية والاضطهاد والاستغلال.

غير أنه ليس بوسع المرء أمام حجم المعاناة وضخامة القسوة الناجمة عن ثقل الواقع إلا أن يخفف الوطء، ويجدد بناء هذا الوهم الذي يسمى الحرية عند أهل الصحافة ومحترفي الكتابة والخطابة ومختلف أشكال التعبير، فهو ضرورة أولا، سيكولوجية  فردية واجتماعية، مهنية ثانيا، وسياسية ثالثاً وأخيراً.

يقول السيكولوجيون أن الإنسان الفرد يميل بطبعه إلى البحث عن قوة يستندُّ إليها للتخلص من ثقل مسؤولياته الفردية تجاه الأفعال والأقوال والإشارات والانفعالات التي تصاحب سلوكياته اليومية، وأن هذا الإنسان يجد راحته النفسية في الانصياع لمختلف الجماعة الاجتماعية والسياسية والإثنية التي ينتمي إليها، ومن أجل إشباع حاجياته النفسية يعمل على التكيُّف مع ضوابطها وقواعدها طمعاً في حمايتها ومناصرتها له و/أو خوفاً من عقابها.

تلك الأفعال والأقوال والإشارات والانفعالات التي إن خرجت إلى العلن بواسطة وسائل الاتصال الجماهيرية، قد تفسر على أنها إهانة ضد شخصية عمومية أو مؤسسة نظامية وتدرج، غالباً، في خانة أعمال الصحافة المجرمة، تعاقب عليها معظم القوانين في معظم الأنظمة القائمة في عالم اليوم، بما فيها الأنظمة التي تعتبر رائدة في مجال الحريات وحقوق الإنسان.

غير أن الأنظمة الديمقراطية في عالم اليوم تميل في أغلبيتها الساحقة إلى توسيع هامش الحريات العامة المرتبطة بالإعلام، مقابل تضييق نطاق الصالح العام المرتبط بالقوى المهيمنة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، خاصة مع الزوال المتواصل للأنظمة الشمولية، منذ سقوط المعسكر الشيوعي. 

ويبدو أن التشريع والتنظيم الإعلاميين في الجزائري بدأ يميل نحو هذا المنحى، حيث صدر أخيرا مرسوما يتعلق بحقوق محترفي الإعلام وبالحماية الاجتماعية لهم في ظل قوانين العمل، بانتظار تعديل قانون العقوبات الصادرة في 2001 في جانبه المتعلق بجنح الصحافة، وبخاصة إلغاء تجريم العمل الصحافي في مجال الرأي، وكذلك  إعادة بعث مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام.

 لقد كانت الاحتفالات الخاصة باليوم العالمي لحرية الصحافة  في السنوات الأخيرة  مناسبة للإعلان عن حسن النيات في تطبيع وتحسين العلاقات بين الإعلامي والسياسي وتوضيح الحدود الفاصلة بين المجالين، بعد أطرت الصحافة في فترة زمنية قريبة المشهد السياسي في الجزائر.   

                                                                                     علي قسايسية

Commenter cet article